سيمفونية رائعة، ومدهشة، ورائقة جدًا، سينما العصر الذهبي، والمعادلة الموزونة، حيث كل شيء مقاس بدقة، ومحدد بعناية <3
- القصة: إبراهيم عبدالله، شاب ذكي مكافح واثق من نفسه، مصاب بتشوه خلقي في وجهه، الأمر اللي بيسبب له عقدة في حياته، برغم تعليمه الجيد جدًا بل الممتاز، وبرغم كونه الأول في كل سنين دراسته في وسط بيئة فقيرة جدًا، إلا إن أزمة مرضه وشكل وجهه الدميم تسببله عقدة في حياته، بيحاول يتجوز قريبته اللي بتفضل الانتحار على البقاء معاه، بتدور الأحداث مع إبراهيم في قصه زواجه ويتاح له أن يخرج من مصر ليحقق حلمه بالدراسة في السربون ولكـن كيف يمكن للإنسـان أي يعيش هانئًا في الدنيا؟! تعترض حياته عقبات كثيرة تودي به في النهاية إلى ما يجب أن تودي به إليه.
(في تفاصيل ولكنها هتحرق المسلسل فمش هنقولها).
- الرواية كتابة الدكتور طه حسين ربنا يرحمه ويغفرله ويسكنه فسيح جناته، قام بمعالجتها وكتابة السيناريو والحوار أ. محمد جلال عبدالقوي، الرواية صعب تحويلها إلى عمل تلفزيوني، وبالتالي قام الأستاذ بعمل كبير جدًا لتحويلها.
- الأغاني والأشضعار لعم الناس سيد حجاب، وبيغنيها عم الناس محمد الحلو، والموسيقى التصويرية والألحان لعم الناس عمار الشريعي، وإخراج يحيى العلمي، ولا أعتقد إني محتاج أذكر أي شيء تاني يكفي بس إنك تشوف الأسماء دي علشان تدرك وتبصم إننا عايشين في زمن المسخ بامتياز.
الممثلين: نور الشريف في شخصية إبراهيم عبدالله، الجميلة جدًا نورا في شخصية حميدة، أمينة رزق في شخصية والدته، وصلاح السعدني في دور صديقه، وفادية عبدالغني وممدوح عبدالعليم ودلال عبدالعزيز، وغيرهم من النجوم.
الممثلين كلهم جمال، يعني لو استثنينا إلهام شاهين بوصفها جاية مع المسلسل كده، وصوتها عامل زي صوت حسونة في بكار، لكـن باقي الممثلين عظمة.
نور الشريف أستاذ، أستاذ فعلًا، مثقف، وفاهم، ومدرك أبعاد الشخصية كويس، راجل بيمثل بجد، بيمثل بفن ودراسة وعلم، مش مجرد واحد جاي من الشارع، إبراهيم عبدالله عنده الجدري، صوته عالي، فيه انحناء ظاهر في جسمه، كل ده هتلمحه بسهولة جدًا في شكل نور الشريف، بيقدر يحكم الشخصية كويس، قارئ وناضج وعاقل وتمثيله يكاد يقترب من الحقيقة، النصوص الأدبية والأشعار مرسومة لنور بالملي، هو واحد من ضمن ناس قليلة يقدروا يأدوا ده بسهولة، باقي الناس أدوراهم مقبولة وجيدة جدًا، حتى الناس اللي أدوارهم مساعدة لطاف جدًا، يعني جمال شبل، ومحمد التاجي مواقفهم في غاية الجمال والإمتاع بغض النظر عن إن دورهم مش أساسي أبدًا، لكـن المخرج الشاطر يخرج من الممثل أقصى ما عنده، والممثل الشاطر يظهر في أبسط دور.
- تتر المسلسل:
تتر المسلسل سواء في البداية أو في النهاية غاية في الجمال والعظمة، الكلمات مكتوبة بدقة وبحرفية، مش سلق بيض، دي أغنية معبرة بنسبة 100% عن المسلسل، يعني كلمات زي "لا مرسى لا عنوان، ولا قلة للعطشان"
" في حاجة جوا عروقي مخفية"
" الحزن من الدنيا سرى فيا، أنا بجري منه؟ ولا بجري وراه؟"
"في حاجة جوا عروقي مخنوقة، شجرة ندم جوا الدما وتباريح.
دي مش مجرد كلمات إنما دي ألحان مكتوبة بالدم، صوت محمد الحلو عظيم، طلعة صوته وهو بيقول: "في حاجة جوا عروقي مخفية" لوحدها محتاجة تتدرس، معايير كاملة بيصنعها المسلسل.
- قصة المسلسل بتعبر عن الحالة اللي كتير من المثقفين كانوا بيعيشوها في الوقت ده، الانبهار بالغرب، وانحطاط العالم العربي والإسلامي، ورغبة المثقف في الهروب من أسر الثقافة إلى أرض الجن والملائكة، لكـن أرض الجن والملائكة مغايرة ثقافيًا تمامًا لما عليه الناس في مصر، وبالتالي المسافر بيبقى بين الأرض والسما متعلق، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ولا عرف يهرب من الجهل، ولا عرف يندمج عند "أهل النور"، ومن هنا بتنشأ أزمة الاغتراب المرعبة، واللي بتنتهي بإنك لا تجد لنفسك مكان لا في أرضك الأولى، ولا في المكان الجديد، وتعزف ألحانك: غريب أراني على ضفة، كأن غيري على ضفتي، فحتى السواقي إذا نغمت، فإن السواقي بلا نغمة.
طبعًا واضح جدًا العمق الموجود في المسلسل، مع إن المسلسل ده يمكن يكون "قبيح" في نظر أهل العصر الحالي، وده ببساطة لإن معايير الخلق مختلة، فطبيعي إن أرض زيكولا تكون أفضل من قصص نجيب محفوظ، وطبيعي إن روايات نجيب محفوظ تقارن بما يكتبه أحمد خالد توفيق، حالة من العته الملمسة في كل شيء، وانهيار معايير القيمة والجمال طبيعي في مجتمع بيرضع أمراض في كل لحظة.
من أهم ما في المسلسل إن المسلسل لا يدعي العمق، إنما هو فعلًا عميق، عميق لدرجة إنك تلاقي تلاتة أقلهم عظيم بيتناقشوا حول المسلسل، تسمع العلمي، بيتكلم مع عم الناس صلاح عبدالصبور، وصالح مرسي، وبيتناقشوا حول مدى تمثيل العلمي ومحمد جلال عبدالقوي للقصة اللي كتبها طه حسين، ويرشح في اللقاء عم صلاح عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم، قنديل أم هاشم ليحيى حقي، وموسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، وغيرهم،
رحم الله الدكتور طه، ونور، وسيد حجاب، والشريعي، وغيرهم، إحنا في زمن المسخ.
إرسال تعليق